لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
الصيام آداب وأحكام
49325 مشاهدة
صيام الكبير

الكبير هو الذي بلغ من السن ما يعجز معه عن تحمل الصيام، أو يقدر عليه مع كلفة ومشقة تلحقه، وقد ألحقه العلماء أو أكثرهم بالمريض الذي لا يرجى برؤه، وأوجبوا عليه الفدية، وقد اشتهر عن بعض السلف في قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ وفي قراءة: طعام مَسَاكِينَ أنها نزلت في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، ولذلك قال البخاري في التفسير من صحيحه وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما، وأفطر، ثم روى بإسناده عن ابن عباس في الآية: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا .
وروى أبو داود عنه في الآية: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أنه يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا . ومراده يطيقانه مع المشقة، ليوافق رواية البخاري
وقد روى الدارقطني عن ابن عباس قال: إذا عجز الشيخ الكبير عن الصيام أطعم عن كل يوم مدا مدا، وقال: إسناده صحيح. .
وعند الحاكم عنه قال: رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم كل يوم مكسينا ولا قضاء عليه .
وحيث أن الآية يظهر منها العموم لكل من يطيق الصوم أن يفدي بطعام مساكين، فقد ذهب كثير من السلف إلى أنها منسوخة بما بعدها، وهو قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ كما ذكره البخاري وغيره فإن عموم الآية لكل من يطيق من شباب وكهول وشيوخ من رجال ونساء يفهم منه أن له الإطعام كفدية، أي عن الصيام، فلعل ذلك كان في أول الأمر، حيث أن الصوم كان جديدا عليهم، وقد يلقون منه مشقة، فرخص لهم في الفدية، وهم يطيقونه، ثم نسخ ذلك، وألزموا بالصيام عند القدرة.
فأما كبير السن الذي يلقى مشقة وصعوبة في الصوم، فهو معذور لعجزه بالكبر، فله الفدية بالإطعام، كما فعل أنس رضي الله عنه فإنه في آخر عمره الذي زاد عن مائة سنة أدركه العجز، فكان إذا دخل رمضان جمع ثلاثين مسكينا، وأطعمهم خبزا ولحما، واكتفى بذلك عن الصيام، وقد يطعم أكثر من الثلاثين كتطوع، والله أعلم.